7- إن المتعة فتحت المجال أمام الساقطين والساقطات من الشباب والشابات في لصق ما عندهم من فجور بالدين، وأدى ذلك إلى تشويه صورة الدين والمتدينين.
وبذلك يتبين لنا أضرار المتعة دينياً واجتماعياً وخلقياً، ولهذا حرمت المتعة ولو كان فيها مصالح لما حرمت، ولكن لما كانت كثيرة المفاسد حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرمها أمير المؤمنين .
تنبيه:
سألت الإمام الخوئي عن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر، وعن قول أبي عبد الله في إجابة السائل عن الزواج بغير بينة أكان معروفاً على عهد النبي ؟ فقال: إن قول أمير المؤمنين في تحريم المتعة يوم خيبر إنما يشمل تحريمها في ذلك اليوم فقط لا يتعدى التحريم إلى ما بعده.
وأما قول أبي عبد الله للسائل، فقال الإمام الخوئي: إنما قال أبو عبد الله ذلك تقية وهذا متفق عليه بين فقهائنا.
قلت: والحق إن قول فقهائنا لم يكن صائباً، ذلك أن تحريم المتعة يوم خيبر صاحبه تحريم لحوم الحمر الأهلية وتحريم لحوم الحمر الأهلية جرى العمل عليه من يوم خيبر وإلى يومنا هذا وسيبقى إلى قيام الساعة.
فدعوى تخصيص تحريم المتعة بيوم خيبر فقط دعوى مجردة لم يقم عليها دليل، خصوصاً وأن حرمة لحوم الحمر الأهلية والتي هي قرينة المتعة في التحريم بقي العمل عليها إلى يومنا هذا.
وفوق ذلك لو كان تحريم المتعة خاصاً بيوم خيبر فقط، لورد التصريح من النبي صلى الله عليه وآله بنسخ تلك الحرمة، على أنه يجب أن لا يغيب عن بالنا أن علة إباحة المتعة هي السفر والحرب، فكيف تحرم في تلك الحرب والمقاتل أحوج ما يكون إليها خصوصاً وأنه في غربة من أهله وما ملكت يمينه، ثم تباح في السلم؟
إن معنى قوله إنـها حرمت يوم خيبر أي أن بداية تحريمها كان يوم خيبر وأما أقوال فقهائنا إنما هو تلاعب في النصوص لا أكثر.
فالحق إن تحريم المتعة ولحوم الحمر الأهلية متلازمان، نزل الحكم بحرمتها يوم خيبر وهو باقٍ إلى قيام الساعة، وليس هناك من داعٍ لتأويل كلام أمير المؤمنين من أجل إشباع رغبات النفس وشهواتـها في البحث الدائم عن الجميلات والفاتنات من النساء للتمتع بـهن والتلذذ باسم الدين وعلى حسابه.
وأما أن قول أبي عبد الله في جوابه للسائل كان تقية، أقول: إن السائل كان من شيعة أبي عبد الله فليس هناك ما يبرر القول بالتقية خصوصاً وانه يوافق الخبر المنقول عن الأمير في تحريم المتعة يوم خيبر.
إن المتعة التي أباحها فقهاؤنا تعطي الحق للرجل في أن يتمتع بعدد لا حصر له من النسوة، ولو بألف امرأة وفي وقت واحد.
وكم من متمتع جمع بين المرأة وأمها، وبين المرأة وأختها، وبين المرأة وعمتها أو خالتها وهو لا يدري.
جاءتني امرأة تستفسر مني عن حادثة حصلت معها، إذ أخبرتني أن أحد السادة وهو السيد حسين الصدر كان قد تمتع بـها قبل أكثر من عشرين سنة فحملت منه، فلما أشبع رغبته منها فارقها، وبعد مدة رزقت ببنت، وأقسمت أنـها حملت منه هو إذ لم يتمتع بـها وقتذاك أحد غيره.
وبعد أن كبرت البنت وصارت شابة جميلة متأهلة للزواج، اكتشفت الأم أن ابنتها حبلى، فلما سألتها عن سبب حملها، أخبرتـها البنت أن السيد المذكور استمتع بـها فحملت منه، فدهشت الأم وفقدت صوابـها، إذ أخبرت ابنتها أن هذا السيد هو أبوها وأخبرتـها القصة، فكيف يتمتع بالأم واليوم يأتي ليتمتع بابنتها التي هي ابنته هو؟
ثم جاءتني مستفسرة عن موقف السيد المذكور منها ومن ابنتها التي ولدتـها منه.
إن الحوادث من هذا النوع كثيرة جداً، فقد تمتع أحدهم بفتاة تبين له فيما بعد أنـها أخته من المتعة، ومنهم من تمتع بامرأة أبيه.
وفي إيراد الحوادث من هذا القبيل لا يستطيع أحد حصرها، وقد رأينا ذلك بقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ [النور:23]، فمن لم يتمكن من الزواج الشرعي بسبب قلة ذات اليد فعليه بالاستعفاف ريثما يرزقه الله من فضله كي يستطيع الزواج.
فلو كانت المتعة حلالاً لما أمره بالاستعفاف والانتظار ريثما تتيسر أمور الزواج بل لأرشده إلى المتعة كي يقضي وطره بدلاً من المكوث والتحرق بنار الشهوة.
وقال الله تعالى: وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ -إلى قوله- ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النساء:25].
فأرشد الذين لا يستطيعون الزواج لقلة ذات اليد أن يتزوجوا مما ملكت أيمانـهم، ومن عجز حتى عن ملك اليمين؛ أمره بالصبر، ولو كانت المتعة حلالاً لأرشده إليها.
ولا بد لنا أن ننقل نصوصاً أخرى عن الأئمة عليهم السلام في إثبات تحريم المتعة:
عن عبد الله بن سنان قال سألت أبا عبد الله عن المتعة فقال: (لا تدنس نفسك بـها) (بحار الأنوار 100/318).
وهذا صريح في قول أبي عبد الله إن المتعة تدنس النفس ولو كانت حلالاً لما صارت في هذا الحكم، ولم يكتف الصادق بذلك بل صرح بتحريمها:
عن عمار قال: قال أبو عبد الله لي ولسليمان بن خالد: (قد حرمت عليكما المتعة) (فروع الكافي 2/48)، (وسائل الشيعة 14/450).
وكان يوبخ أصحابه ويحذرهم من المتعة فقال: أما يستحي أحدكم أن يرى موضع فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه؟ (الفروع 2/44)، (وسائل الشيعة 1/450).
ولما سأل علي بن يقطين أبا الحسن عن المتعة أجابه: (ما أنت وذاك؟ قد أغناك الله عنها) (الفروع 2/43)، الوسائل (14/449).
نعم إن الله تعالى أغنى الناس عن المتعة بالزواج الشرعي الدائم.
ولهذا لم ينقل أن أحداً تمتع بامرأة من أهل البيت عليهم السلام، فلو كان حلالاً لفعلن، ويؤيد ذلك أن عبد الله بن عمير قال لأبي جعفر : (يسرك أن نساءك وبناتك وأخواتك وبنات عمك يفعلن؟ -أي يتمتعن- فأعرض عنه أبو جعفر حين ذكر نساءه وبنات عمه) (الفروع 2/42)، (التهذيب 2/186)، وبـهذا يتأكد لكل مسلم عاقل أن المتعة حرام، لمخالفتها لنصوص القرآن الكريم وللسنة ولأقوال الأئمة عليهم السلام.
والناظر للآيات القرآنية الكريمة والنصوص المتقدمة في تحريم المتعة -إن كان طالباً للحق محباً له- لا يملك إلا أن يحكم ببطلان تلك الروايات التي تحث على المتعة لمعارضتها لصريح القرآن وصريح السنة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام ولما يترتب عليها من مفاسد لا حصر لها بينا شيئاً منها فيما مضى.
إن من المعلوم أن دين الإسلام جاء ليحث على الفضائل وينهى عن الرذائل، وجاء ليحقق للعباد المصالح التي تستقيم بـها حياتـهم، ولا شك أن المتعة مما لا تستقيم بـها الحياة إن حققت للفرد مصلحة واحدة -افتراضاً- فإنـها تسبب مفاسد جملة أجملناها في النقاط الماضية.
إن انتشار العمل بالمتعة جر إلى إعارة الفرج، وإعارة الفرج معناها أن يعطي الرجل امرأته أو أمته إلى رجل آخر فيحل له أن يتمتع بـها أو أن يصنع بـها ما يريد، فإذا ما أراد رجل ما أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه أو أي شخص كان يختاره، فيبيح له أن يصنع بـها ما يشاء طيلة مدة سفره. والسبب معلوم حتى يطمئن الزوج على امرأته لئلا تزني في غيابه (!!) وهناك طريقة ثانية لإعارة الفرج إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم، وأرادوا إكرامه فإن صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدة إقامته عندهم، فيحل له منها كل شيء، وللأسف يروون في ذلك روايات ينسبونـها إلى الإمام الصادق وإلى أبيه أبي جعفر سلام الله عليه.
روى الطوسي عن محمّد عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت:
(الرجل يحل لأخيه فرج جاريته؟ قال: نعم لا بأس به له ما أحل له منها) (الاستبصار 3/136).
وروى الكليني والطوسي عن محمّد بن مضارب قال: قال لي أبو عبد الله : (يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها، فإذا خرجت فارددها إلينا) (الكافي؟)، (الفروع 2/200)، (الاستبصار 3/136).
قلت: لو اجتمعت البشرية بأسرها فأقسمت أن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام قالا هذا الكلام ما أنا بمصدق؟
إن الإمامين سلام الله عليهما أجل وأعظم من أن يقولا مثل هذا الكلام الباطل، فلا يبيحا هذا العمل المقزز الذي يتنافى مع الخلق الإسلامي الرفيع، بل هذه هي الدياثة، لا شك أن الأئمة سلام الله عليهم ورثوا هذا العلم كابراً عن كابر فنسبة هذا القول وهذا العمل إليهما إنما هو نسبة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فهو إذن تشريع إلهي.
في زيارتنا للهند ولقائنا بأئمة الشيعة هناك كالسيد النقوي وغيره مررنا بجماعة من الهندوس وعبدة البقر والسيخ وغيرهم من أتباع الديانات الوثنية، وقرأنا كثيراً فما وجدنا ديناً من تلك الأديان الباطلة يبيح هذا العمل ويحله لأتباعه.
فكيف يمكن لدين الإسلام أن يبيح مثل هذا العمل الخسيس الذي يتنافى مع أبسط مقومات الأخلاق؟
زرنا الحوزة القائمية في إيران فوجدنا السادة هناك يبيحون إعارة الفروج، وممن أفتى بإباحة ذلك السيد لطف الله الصافي وغيره ولذا فإن موضوع إعارة الفرج منتشر في عموم إيران، واستمر العمل به حتى بعد الإطاحة بالشاه محمّد رضا بـهلوي ومجيء آية الله العظمى الإمام الخميني الموسوي، وبعد رحيل الإمام الخميني أيضاً استمر العمل عليه، وكان هذا أحد الأسباب(1) التي أدت إلى فشل أول دولة شيعية في العصر الحديث، كان الشيعة في عموم بلاد العالم يتطلعون إليها، مما حدا بمعظم السادة إلى التبرء منها، بل ومهاجمتها أيضاً، فهذا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي سماها (الثورة البائسة) وألف كتباً وبحوثاً ونشر مقالات في مهاجمتها وبيان أخطائها.
وقال السيد جواد الموسوي: إن الثورة الإسلامية في إيران ليس لها من الإسلام إلا الاسم.
وكان آية الله العظمى السيد محمّد كاظم شريعتمداري من أشد المعارضين لها لما رآه من انحراف واضح عن جادة الإسلام.
وهناك كثير من السادة ممن أعرفهم معرفة شخصية انتقدوا حكومة الإمام الخميني ونفروا منها.
ومما يؤسف له أن السادة هنا أفتوا بجواز إعارة الفرج، وهناك كثير من العوائل في جنوب العراق وفي بغداد في منطقة الثورة ممن يمارس هذا الفعل بناء على فتاوى كثير من السادة منهم السيستاني والصدر والشيرازي والطباطبائي والبروجردي وغيرهم، وكثير منهم إذا حل ضيفاً عند أحد استعار منه امرأته إذا رآها جميلة، وتبقى مستعارة عنده حتى مغادرته.
إن الواجب أن نحذر العوام من هذا الفعل الشنيع، وأن لا يقبلوا فتاوى السادة بإباحة هذا العمل المقزز الذي كان للأصابع الخفية التي تعمل من وراء الكواليس الدور الكبير في دسه في الدين ونشره بين الناس.
ولم يقتصر الأمر على هذا، بل أباحوا اللواطة بالنساء ورووا أيضاً روايات نسبوها إلى الأئمة سلام الله عليهم، فقد روى الطوسي عن عبد الله بن أبي اليعفور قال: (سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي المرأة من دبرها قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ فقال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (الاستبصار 3/243).
وروى الطوسي أيضاً عن موسى بن عبد الملك عن رجل قال: (سألت أبا الحسن الرضا عن إتيان الرجل المرأة من خلفها في دبرها فقال: أحلتها آية من كتاب الله قول لوط : هَـؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فقد علم أنـهم لا يريدون الفرج) (الاستبصار 3/243).
وروى الطوسي عن علي بن الحكم قال: سمعت صفوان يقول: قلت للرضا : (إن رجلاً من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك واستحيى منك أن يسألك، قال: ما هي؟ قال: للرجل أن يأتي امرأته في دبرها؟ قال: نعم ذلك له) المصدر السابق.
لا شك أن هذه الأخبار معارضة لنص القرآن، إذ يقول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، فلو كان إتيان الدبر مباحاً لأمر اعتزال الفرج فقط ولقال (فاعتزلوا فروج النساء في المحيض).
ولكن لما كان الدبر محرماً إتيانه أمر باعتزال الفروج والأدبار في محيض النساء بقوله: وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ.
ثم بين الله تعالى بعد ذلك من أين يأتي الرجل امرأته فقال تعالى: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222].
والله تعالى أمر بإتيان الفروج فقال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223]، والحرث هو موضع طلب الولد.
إن رواية أبي اليعفور عن أبي عبد الله مفهومها أن طلب الولد يكون في الفروج لقوله في قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ هذا في طلب الولد، فمفهوم الرواية تخصيص الفروج لطلب الولد، وأما قضاء الوطر والشهوة فهو في الأدبار، وسياق الرواية واضح في إعطاء هذا المفهوم.
وهذا غلط لأن الفروج ليست مخصصة لطلب الولد فقط بل لقضاء الوطر والشهوة أيضاً، وهذا واقع العشرة بين الأزواج من لدن آدم وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأبو عبد الله أجل وأرفع من أن يقول هذا القول الباطل. ولو افترضنا جواز إتيان الدبر لما كان هناك معنى للآية الكريمة فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ لأنه قد علم -على الافتراض المذكور- أن الإتيان يكون في القبل والدبر وليس هناك موضع ثالث يمكن إتيانه.
فلم يبق أي معنى للآية ولا للأمر الوارد فيها.
ولكن لما كان أحد الموضعين محرماً لا يجوز إتيانه، والآخر حلالاً احتيج إلى بيان الموضع الذي يجب أن يؤتى، فكان أمر الله تعالى بإتيان الحرث، والحرث هو موضع طلب الولد وهذا الموضع يؤتى لطلب الولد ولقضاء الوطر أيضاً.
أما الرواية المنسوبة إلى الرضا في إباحة اللواطة بالنساء واستدلاله بقولة لوط .
أقول: إن تفسير الآية قول الله تعالى: هَـؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود:78]، قد ورد في آية أخرى في قوله تعالى: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ [العنكبوت:28]، وقطع السبيل لا يعني ما يفعله قطاع الطرق وحدهم .. لا، وإنما معناه أيضاً قطع النسل بالإتيان في غير موضع طلب الولد أي في الأدبار، فلو استمر الناس في إتيان الأدبار -أدبار الرجال والنساء- وتركوا أيضاً طلب الولد لانقرضت البشرية وانقطع النسل.
فالآية الكريمة تعطي هذا المعنى أيضاً وبخاصة إذا لاحظنا سياق الآية مما قبلها. ولا مرية أن هذا لا يخفى على الإمام الرضا فثبت بذلك كذب نسبة تلك الرواية إليه.
إن إتيان النساء في أدبارهن لم يقل به إلا الشيعة وبالذات الإمامية الاثنا عشرية.
اعلم أن جميع السادة في حوزة النجف والحوزات الأخرى بل وفي كل مكان يمارسون هذا الفعل.
وكان صديقنا الحجة السيد أحمد الوائلي يقول بأنه منذ أن اطلع على هذه الروايات بدأ ممارسة هذا الفعل وقليلاً ما يأتي امرأة في قبلها.
وكلما التقيت واحداً من السادة وفي كل مكان فإني أسأله في حرمة إتيان النساء في الأدبار أو حله فيقول لي بأنه حلال ويذكر الروايات في حليتها منها الروايات التي تقدمت الإشارة إليها.
ولم يكتفوا بإباحية اللواطة بالنساء بل أباح كثير منهم حتى اللواطة بالذكور وبالذات المردان. كنا أحد الأيام في الحوزة فوردت الأخبار بأن سماحة السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي قد وصل بغداد، وسيصل إلى الحوزة ليلتقي سماحة الإمام آل كاشف الغطاء. وكان السيد شرف الدين قد سطع نجمه عند عوام الشيعة وخواصهم، خاصة بعد أن صدر بعض مؤلفاته كالمراجعات، والنص والاجتهاد.
ولما وصل النجف زار الحوزة فكان الاحتفاء به عظيماً من قبل الكادر الحوزي علماء وطلاباً وفي جلسة له في مكتب السيد آل كاشف الغطاء ضمت عدداً من السادة وبعض طلاب الحوزة، وكنت أحد الحاضرين، وفي أثناء هذه الجلسة دخل شاب في عنفوان شبابه فسلم فرد الحاضرون السلام، فقال للسيد آل كاشف الغطاء:
سيد عندي سؤال، فقال له السيد: وجه سؤالك إلى السيد شرف الدين
-فأحاله إلى ضيفه السيد شرف الدين تقديراً وإكراماً له-
قال السائل: سيد أنا أدرس في لندن للحصول على الدكتوراه، وأنا ما زلت أعزب غير متزوج، وأريد امرأة تعينني هناك -لم يفصح عن قصده أول الأمر- فقال له السيد شرف الدين:تزوج ثم خذ زوجتك معك.
فقال الرجل: صعب علي أن تسكن امرأة من بلادي معي هناك.
فعرف السيد شرف الدين قصده فقال له: تريد أن تتزوج امرأة بريطانية إذن؟
قال الرجل: نعم، فقال له شرف الدين: هذا لا يجوز، فالزواج باليهودية أو النصرانية حرام.
فقال الرجل: كيف أصنع إذن؟
فقال له السيد شرف الدين: ابحث عن مسلمة مقيمة هناك عربية أو هندية أو أي جنسية أخرى بشرط أن تكون مسلمة.
فقال الرجل: بحثت كثيراً فلم أجد مسلمات مقيمات هناك تصلح إحداهن زوجة لي، وحتى أردت أن أتمتع فلم أجد، وليس أمامي خيار إما الزنا وإما الزواج وكلاهما متعذر علي.
أما الزنا فإني مبتعد عنه لأنه حرام، وأما الزواج فمتعذر علي كما ترى وأنا أبقى هناك سنة كاملة أو أكثر ثم أعود إجازة لمدة شهر، وهذا كما تعلم سفر طويل فماذا أفعل؟
سكت(1) السيد شرف الدين قليلاً ثم قال: إن وضعك هذا محرج فعلاً .. على أية حال أذكر أني قرأت رواية للإمام جعفر الصادق ، إذ جاءه رجل يسافر كثيراً ويتعذر عليه اصطحاب امرأته أو التمتع في البلد الذي يسافر إليه بحيث أنه يعاني مثلما تعاني أنت، فقال له أبو عبد الله : (إذا طال بك السفر فعليك بنكح الذكر)(2) هذا جواب سؤالك.
خرج الرجل وعليه علامات الارتياب من هذا الجواب، وأما الحاضرون ومنهم السيد زعيم الحوزة فلم ينبس أحد منهم ببنت شفة.
ضبط أحد السادة في الحوزة وهو يلوط بصبي أمرد من الدارسين في الحوزة. وصل الخبر إلى أسماع الكثيرين، وفي اليوم التالي بينما كان السيد المشار إليه يتمشى في الرواق، اقترب منه سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً- وكان قد بلغه الخبر -فخاطبه بالفصحى مازحاً: سيد ما تقول في ضرب الحلق(2)؟
فأجابه السيد الأول بمزاح أشد قائلاً له وبالفصحى أيضاً: يستحسن إدخال الحشفة فقط، وقهقه الاثنان بقوة!!؟؟
وهناك سيد من علماء الحوزة مشهور باللواطة، رأى صبياً يمشي مع سيد آخر من علماء الحوزة أيضاً، فسأله: من هذا الصبي الذي معك؟
فأجابه: هذا ابني فلان.
فقال له: لم لا ترسله إلينا لنقوم بتدريسه وتعليمه كي يصبح عالماً مثلك؟
فأجابه ساخراً: أيها السافل الحقير أتريد أن آتيك به لتفعل به (كذا وكذا)!؟
وهذه الحادثة حدثني بـها أحد الثقات من أساتذة الحوزة(3).
لقد رأينا الكثير من هذه الحوادث، وما سمعناه أكثر بكثير حتى إن صديقنا المفضال السيد عباس جمع حوادث كثيرة جداً ودونـها بتفاصيلها وتواريخها وأسماء أصحابـها، وهو ينوي إصدارها في كتاب أراد أن يسميه (فضائح الحوزة العلمية في النجف) لأن الواجب كشف الحقائق للعوام من الشيعة أولئك المساكين الذين لا يعلمون ما يجري وراء الكواليس، ولا يعلمون ما يفعله السادة، فيرسل أحدهم امرأته أو بنته أو أخته لغرض الزيارة أو لطلب الولد أو لتقديم (مراد للحسين) فيستلمها السادة وخاصة إذا كانت جميلة ليفجروا بـها ويفعلوا بـها كل منكر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الخمس
إن الخمس استغل هو الآخر استغلالاً بشعاً من قبل الفقهاء والمجتهدين، وصار مورداً يدر على السادة والمجتهدين أموالاً طائلة جداً، مع أن نصوص الشرع تدل على أن عوام الشيعة في حل من دفع الخمس، بل هو مباح لهم لا يجب عليهم إخراجه، وإنما يتصرفون فيه كما يتصرفون في سائر أموالهم ومكاسبهم، بل إن الذي يدفع الخمس للسادة والمجتهدين يعتبر آثماً لأنه خالف النصوص التي وردت عن أمير المؤمنين وأئمة أهل البيت سلام الله عليهم.
وحتى يقف القارئ اللبيب على حقيقة هذا الخمس وكيفية التصرف فيه سنستعرض موضوع الخمس وتطوره تاريخياً، وندعم بذلك نصوص الشرع وأقوال الأئمة وفتاوى المجتهدين الذين يعتد بـهم ويعول على كلامهم.
1- عن ضريس الكناني قال أبو عبد الله : من أين دخل على الناس الزنا؟
قلت لا أدري جعلت فداك، قال من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم لميلادهم (أصول الكافي 2/502) شرح الشيخ مصطفى.
2- عن حكيم مؤذن بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله عن قوله تعالى:
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الأنفال:41]، فقال أبو عبد الله بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده فقال: (هي والله الإفادة يوماً بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا) (الكافي 2/499).
3- عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالا فرده أبو عبد الله .. إلى أن قال: يا أبا سيار قد طيبناه لك، وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا) (أصول الكافي 2/268).
4- عن محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولاداتـهم ولتزكوا ولاداتـهم (أصول الكافي 2/502).
5- عن أبي عبد الله قال: (إن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك) (من لا يحضره الفقيه 2/243).
6- عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه رجل من القناطين فقال: (جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ونعرف أن حقكم فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك) (من لا يحضره الفقيه 2/23).
7- عن علي بن مهزيار أنه قال: قرأت في كتاب لأبي جعفر جاءه رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب بخطه: (من أعوزه شيء من حقي فهو في حل) (من لا يحضره الفقيه 2/23).
8- جاء رجل إلى أمير المؤمنين ، قال: أصبت مالاً أرمضت فيه أفلي توبة؟ قال: (اتني بخمسي، فأتاه بخمسه، فقال : هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) (من لا يحضره الفقيه 2/22).
فهذه الروايات وغيرها كثير صريحة في إعفاء الشيعة من الخمس وإنـهم في حل من دفعه فمن أراد أن يستخلصه لنفسه أو أن يأكله ولا يدفع منه لأهل البيت شيئاً فهو في حل من دفعه وله ما أراد ولا إثم عليه، بل لا يجب عليهم الدفع حتى يقوم القائم كما في الرواية الثالثة.
ولو كان الإمام موجوداً فلا يعطى له حتى يقوم قائم أهل البيت، فكيف يمكن إذن إعطاؤه للفقهاء والمجتهدين؟!
فتاوى الفقهاء المعتمدين في إعفاء الشيعة من دفع الخمس.
بناء على النصوص المتقدمة وعلى غيرها كثير المصرحة بإعفاء الشيعة من دفع الخمس صدرت فتاوى من كبار الفقهاء والمجتهدين ممن لهم باع في العلم واحتلوا مكانة رفيعة بين العلماء، في إباحة الخمس للشيعة وعدم دفعه لأي شخص كان حتى يقوم قائم أهل البيت:
1- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن المتوفى (676هـ).
أكد ثبوت إباحة المنافع والمساكن والمتجر حال الغيبة وقال: لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منها (انظر كتاب شرائع الإسلام 182-183 كتاب الخمس ).
2- يحيى بن سعيد الحلي المتوفى (690هـ).
مال إلى نظرية إباحة الخمس وغيره للشيعة كرماً من الأئمة وفضلاً كما في (كتابه الجامع للشرائع ص151).
3- الحسن بن المطهر الحلي الذي عاش في القرن الثامن أفتى بإباحة الخمس للشيعة وإعفائهم من دفعه كما في (كتاب تحرير الأحكام 75).
4- الشهيد الثاني المتوفى (966هـ) قال في (مجمع الفائدة والبرهان 4/355-358) ذهب إلى إباحة الخمس بشكل مطلق وقال: إن الأصح هو ذلك كما في كتاب (مسالك الأفهام 68).
5- المقدس الأردبيلي المتوفى (993هـ) وهو أفقه فقهاء عصره حتى لقبوه بالمقدس قال بإباحة مطلق التصرف في أموال الغائب للشيعة خصوصاً مع الاحتياج، وقال: إن عموم الأخبار تدل على السقوط بالكلية في زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب والحتم لعدم وجود دليل قوي على الأرباح والمكاسب ولعدم وجود الغنيمة.
قلت: وقوله هذا مستنبط من قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ [الأنفال:41]، ثم بين أن هناك روايات عن المهدي تقول أبحنا الخمس للشيعة.
6- العلامة سلار قال: إن الأئمة قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة فضلاً وكرماً للشيعة خاصة انظر كتاب (المراسيم 633).
7- السيد محمّد علي طباطبائي المتوفى أول القرن الحادي عشر قال: إن الأصح هو الإباحة (مدارك الأفهام 344).
8- محمّد باقر السبزواري المتوفى أواخر القرن الحادي عشر قال:
المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة وصحيحة الفضلاء ورواية محمّد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية إسحاق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة كريب: إباحة الخمس للشيعة.
وتصدى للرد على بعض الإشكاليات الواردة على هذا الرأي وقال: إن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالإخبار المذكورة.
وبالجملة فإن القول بإباحة الخمس في زمان الغيبة لا يخلو من قوة انظر (كتاب ذخيرة المعاد 292).
9- محمّد حسن الفيض الكاشاني في كتابه مفاتيح الشريعة (229) مفتاح (260) اختار القول بسقوط ما يختص بالمهدي، قال: لتحليل الأئمة ذلك للشيعة.
10- جعفر كاشف الغطاء المتوفى (1227هـ) في كشف الغطاء (364): ذكر إباحة الأئمة للخمس وعدم وجوب دفعه إليهم.
11- محمّد حسن النجفي المتوفى (1266) في (جواهر الكلام 16/141).
قطع بإباحة الخمس للشيعة في زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة، وبين أن الأخبار تكاد تكون متواترة.
12- ونختم بالشيخ رضا الهمداني المتوفى (1310هـ) في كتابه مصباح الفقيه
(155): فقد أباح الخمس حال الغيبة، والشيخ الهمداني هذا متأخر جداً قبل حوالي قرن من الزمان أو أكثر.
وهكذا نرى أن القول بإباحة الخمس للشيعة وإعفائهم من دفعه هو قول مشتهر عند كل المجتهدين المتقدمين منهم والمتأخرين، وقد جرى العمل عليه إلى أوائل القرن الرابع عشر فضلاً عن كونه مما وردت النصوص بإباحته، فكيف يمكن والحال هذه دفع الخمس إلى الفقهاء والمجتهدين؟، مع أن الأئمة سلام الله عليهم رفضوا الخمس وأرجعوه إلى أصحابه وأعفوهم من دفعه، أيكون الفقهاء والمجتهدون أفضل من الأئمة سلام الله عليهم؟
إن فتاوى إباحة الخمس للشيعة لا تقتصر على هؤلاء الذين ذكرنا من الفقهاء والمجتهدين لا وإنما هناك أضعاف هذا العدد الذي ذكرنا وعلى مر هذه القرون ولكننا اخترنا من كل قرن واحداً من الفقهاء القائلين بعدم دفع الخمس لكي يتضح لنا أن القول بعدم وجوب الخمس قد قال به كثير من الفقهاء وعلى مر الزمان لأنه هو القول الراجح في المسألة، ولموافقته للنصوص وعمل الأئمة عليهم السلام.
ولنأخذ فتوتيين لعلمين من أعلام المنهج الشيعي هما: الشيخ المفيد والشيخ الطوسي، قال الشيخ المفيد:
قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك -أي الخمس- عند الغيبة، وقد ذهب كل فريق منهم إلى مقال (ثم يذكر عدد المقالات) منها قوله:
منهم من يسقط قول إخراجه لغيبة الإمام(1)، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. وبعضهم يوجب كنـزه -أي دفنه- ويتأول خبراً ورد: (إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وأنه إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان).
ثم يختار قولاً منها فيقول:
بعزل الخمس لصاحب الأمر -يعني المهدي- فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام، إن أدرك قيامه، وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه بالثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يقوم الإمام، قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبة رسماً يجب الانتهاء إليه.
ثم قال: ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يقدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند ذلك سقوطها، وقال: إذا ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص الإمام، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمّد وأبناء سبيلهم مساكينهم على ما جاء في القرآن.
قال: فمن فعل هذا لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب، وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب انظر (المقنعة 46).
وقال الشيخ الطوسي المتوفى (460ه_) مؤسس الحوزة النجفية وأول زعيم لها: بعد أن ذكر أحكام الخمس قال: هذا في حال ظهور الإمام(1).
ثم قال: فأما في حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمتجر والمساكن.
فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال، وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة، فقد اختلف قول أصحابنا فيه وليس نص معين(2)، إلا أن كل واحد منهم -أي فقهاء الشيعة- قال قولاً يقتضيه الاحتياط.
ثم حصر الطوسي هذه الأقوال في أربعة:
1- قال بعضهم أنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر -يعني طالما كان الإمام غائباً أو مستتراً فكل شيء مباح- وهذا هو أصح الأقوال لأنه موافق للنصوص الواردة عن الأئمة، وبه قال كثير من الفقهاء.
2- وقال قوم أنه يجب الاحتفاظ به أو حفظه ما دام الإنسان حياً، فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من إخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا حضر، أو يوصى به حسبما وصى به إلى أن يوصله إلى صاحب الأمر.
3- وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، ثلاثة أقسام للإمام تدفن أو تودع عند من يوثق به، وهذا القول قد اختاره الطوسي.
والأقسام الثلاثة الأخرى وتوزع على مستحقيها من أيتام آل محمّد صلى الله عليه وآله ومساكنهم وأبناء سبيلهم، وهذا مما ينبغي العمل عليه.
وهذا القول مطابق لفتوى المفيد في قياس الخمس على الزكاة.
ثم يقول: (ولو إن الإنسان استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من إجزاء الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً) انتهى بتصرف يسير.
لقد حصر الشيخ الطوسي التصرف في الخمس حال الغيبة في هذه الأقوال الأربعة المتقدمة واختار هو القول الرابع منها(1)، وبين أن الإنسان إذا اختار أي قول من هذه الأقوال وعمل به لم يكن آثماً.
ونحن نلاحظ هذه الأقوال الأربعة، فهي وإن اختلف بينها في بعض التفاصيل لكنها أجمعت على شيء واحد نحن بصدد بيانه وهو أن هذه الأموال -أي الخمس- التي هي حق الإمام الغائب أو حق غيره لا تصرف للسادة ولا المجتهدين.
ورغم أن الأقوال الأربعة المتقدمة اختلفت من جهة صرف أموال الخمس، إلا أنـها ليس فيها تلميح فضلاً عن التصريح بوجوب أو إباحة إعطاء الخمس أو جزء منه للسادة والمجتهدين.
إن القول الرابع والذي اختاره الشيخ الطوسي هو الذي كان عليه الشيعة، والطوسي كما لا يخفى هو مؤسس الحوزة العلمية وهو شيخ الطائفة.
ترى أكان الشيخ وجماهير الشيعة في عصره وقبله وبعده مخطئين؟
فهذه فتوى أول زعيم للحوزة العلمية النجفية.
ولنر فتوى آخر زعيم للحوزة نفسها مولانا الإمام الراحل أبي القاسم الخوئي ليتضح لنا أن الفتوى بين أول زعيم للحوزة، وفتوى آخر زعيم لها.
قال الإمام الخوئي في بيان مستحق الخمس ومصرفه:
يقسم الخمس في زماننا زمان الغيبة نصفين:
نصف لإمام العصر الحجة المنتظر (عج)(1)، وجعل أرواحنا فداه.
ونصف لبني هاشم أيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل .. إلى أن قال:
النصف الذي يرجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام، يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه، إما بالدفع إليه أو الاستئذان منه .. الخ انظر كتاب (ضياء الصالحين مسألة 1259 ص347)، إن فتوى الإمام الخوئي تختلف عن فتوى الشيخ الطوسي، فالشيخ الطوسي لا يقول بإعطاء الخمس أو شيء منه إلى الفقيه المجتهد وقد عمل بنص فتواه جماهير الشيعة المعاصرون له.
بينما نرى فتوى مولانا الراحل الإمام الخوئي تنص على إعطاء الخمس أو جزء منه للفقيه والمجتهد.
ملخص تطور نظرية الخمس
القول الأول:
بعد انقطاع سلسلة الإمامة وغيبة الإمام المهدي هو أن الخمس من حق الإمام الغائب، وليس لفقيه ولا سيد ولا مجتهد حق فيه، ولهذا ادعى أكثر من عشرين شخصاً النيابة عن الإمام الغائب، من أجل أن يأخذوا الخمس فقالوا: نحن نلتقي الإمام الغائب، ويمكننا إعطاؤه أخماس المكاسب التي ترد.
وكان هذا في زمن الغيبة الصغرى، وبقي بعدها مدة قرن أو قرنين من الزمان، ولم يكن الخمس يعطى للمجتهد أو السيد، وفي هذه الفترة ظهرت الكتب الأربعة المعروفة بالصحاح الأربعة الأولى، وكلها تنقل عن الأئمة إباحة الخمس للشيعة وإعفاءهم منه.
ولم تكن هناك أية فتوى في إعطاء الأخماس للسادة والمجتهدين.
القول الثاني:
ثم تطور الأمر، بعد أن كان الشيعة في حل من دفع الخمس في زمن الغيبة كما سبق بيانه؛ تطور الأمر فقالوا بوجوب إخراج الخمس، إذا أراد أصحاب الأغراض التخلص من القول الأول، فقالوا يجب إخراج الخمس على أن يدفن في الأرض حتى يخرج الإمام المهدي.
القول الثالث:
ثم تطور الأمر فقالوا يجب أن يودع عند شخص أمين، وأفضل من يقع عليه الاختيار لهذه الأمانة هم فقهاء المذهب، مع التنبيه على أن هذا للاستحباب وليس على سبيل الحتم والإلزام، ولا يجوز للفقيه أن يتصرف به بل يحتفظ به حتى يوصله إلى المهدي.
وهنا ترد ملاحظة مهمة وهي:
من الفقهاء من حفظ الأموال المودعة عنده، ثم بعد موته قال ذووه عنها لنا أموال مودعة عنده يجب أن تودع عند من يأتي بعده؟
لا شك أن الجواب الصحيح هو: لا يوجد مثل هذا الشخص، ولم نسمع أو نقرأ عن شخص كهذا ثبت أن أموال الناس -أعني الخمس- كانت مودعة عنده ثم انتقلت إلى من يأتي بعده.