مقدمة
[font= Simplified Arabic]الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
كنا في جمعية صلاح الدين نتحدث عن الحاجة إلى كتاب مختصر عن أصول الشيعة الإثني عشرية شريطة أن يستفيد منه العامة والخاصة، وبينما كنا نبحث عمن يكتبه من أهل العلم والاختصاص وصلنا هذا الكتاب "لله.. ثم للتاريخ" لمؤلفه السيد حسين الموسوي من علماء النجف، وبعد قراءته وجدناه يفي بالغرض وزيادة.
أما الزيادة التي نعنيها، فهي مؤلف الكتاب الذي يعتبر عالماً من كبار علماء الشيعة، وبحكم دراسته وتدريسه في حوزات النجف، فقد كانت صلاته قوية مع كبار علماء وآيات الشيعة من أمثال: كاشف الغطاء، والخوئي، والصدر، والخميني، وعبد الحسين شرف الدين الذي كان يتردد على النجف، وفضلاً عن هذا وذاك فقد كان والد المؤلف عالماً من علماء الشيعة.
تحدث المؤلف في كتابه عن غرائب تجاربه مع مراجع الشيعة بأسلوب شيق ومختصر، وبعد ذكر ما كان يحدث له معهم كلهم أو مع واحد منهم كان يرد قراءه إلى أمهات كتبهم التي تنص على مشروعية هذا الفعل القبيح.
وكل من يتناول هذا الكتاب بالقراءة المتأنية سوف يلمس صدق المؤلف [ولا نزكي على الله أحداً]، واختلاف طريقته عن طريقة من سبقه من المؤلفين الشيعة الذين نقدوا بعض أصول مذهبهم.
جزى الله المؤلف كل خير على هذا الكتاب النفيس، وأبعد عنه شرور الحاقدين الموتورين، فقد سمعنا أنـهم يتربصون به الدوائر ولهذا فإنه لم يذكر اسمه الصحيح، خوفاً من أن يكتشف أمره ويحصل له ما لا يحمد عقباه[انظر (ص 91) من الكتاب]، والله نسأل أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.
جمعية صلاح الدين الخيرية
14 صفر 1422
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وآله الطيبين الطاهرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن المسلم يعلم أن الحياة تنتهي بالموت، ثم يتقرر المصير: إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا شك أن المسلم حريص على أن يكون من أهل الجنة، لذا لا بد أن يعمل على إرضاء ربه جل وعلا، وأن يبتعد عن كل ما نـهى عنه، مما يوقع الإنسان في غضب الله ثم في عقابه، ولهذا نرى المسلم يحرص على طاعة ربه وسلوك كل ما يقربه إليه، وهذا دأب المسلم من عوام الناس، فكيف إذا كان من خواصهم؟.
إن الحياة كما هو معلوم فيها سبل كثيرة ومغريات وفيرة، والعاقل من سلك السبيل الذي ينتهي به إلى الجنة وإن كان صعباً، وأن يترك السبيل الذي ينتهي به إلى النار وإن كان سهلاً ميسوراً.
هذه رواية صيغت على شكل بحث، قلتها بلساني، وقيدتـها ببناني قصدت بـها وجه الله ونفع إخواني ما دمت حياً قبل أن أُدرج في أكفاني.
ولدت في كربلاء، ونشأت في بيئة شيعية في ظل والدي المتدين.
درست في مدارس المدينة حتى صرت شاباً يافعاً، فبعث بي والدي إلى الحوزة العلمية النجفية أم الحوزات في العالم لأنـهل من علم فحول العلماء ومشاهيرهم في هذا العصر أمثال سماحة الإمام السيد محمّد آل الحسين كاشف الغطاء.
درسنا في النجف في مدرستها العلمية العلية، وكانت الأمنية أن يأتي اليوم الذي أصبح فيه مرجعاً دينياً أتبوأ فيه زعامة الحوزة، وأخدم ديني وأمتي وأنـهض بالمسلمين.
وكنت أطمح أن أرى المسلمين أمة واحدة، وشعباً واحداً، يقودهم إمام واحد، في الوقت عينه أرى دول الكفر تتحطم وتتهاوى صروحها أمام أمة الإسلام هذه، وهناك أمنيات كثيرة مما يتمناها كل شاب مسلم غيور، وكنت أتساءل:
ما الذي أدى بنا إلى هذه الحال المزرية من التخلف والتمزق والتفرق؟!
وأتساءل عن أشياء أخرى كثيرة تمر في خاطري، كما تمر في خاطر كل شاب مسلم، ولكن لا أجد لهذه الأسئلة جواباً.
ويسر الله تعالى لي الالتحاق بالدراسة وطلب العلم، وخلال سنوات الدراسة كانت ترد عليّ نصوص تستوقفني، وقضايا تشغل بالي، وحوادث تحيرني، ولكن كنت أتـهم نفسي بسوء الفهم وقلة الإدراك، وحاولت مرة أن أطرح شيئاً من ذلك على أحد السادة من أساتذة الحوزة العلمية، وكان الرجل ذكياً إذ عرف كيف يعالج فيّ هذه الأسئلة، فأراد أن يجهز عليها في مهدها بكلمات يسيرة، فقال لي:
ماذا تدرس في الحوزة؟
قلت له: مذهب أهل البيت طبعاً
فقال لي: هل تشك في مذهب أهل البيت؟!
فأجبته بقوة: معاذ الله.
فقال: إذن أبعد هذه الوساوس عن نفسك فأنت من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وأهل البيت تلقوا عن محمّد صلى الله عليه وآله، ومحمد تلقى من الله تعالى.
سكت قليلاً حتى ارتاحت نفسي، ثم قلت له: بارك الله فيك شفيتني من هذه الوساوس.
ثم عدت إلى دراستي، وعادت إليَّ تلك الأسئلة والاستفسارات، وكلما تقدمت في الدراسة ازدادت الأسئلة وكثرت القضايا والمؤاخذات.
المهم أني أنـهيت الدراسة بتفوق حتى حصلت على إجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة العميد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء زعيم الحوزة، وعند ذلك بدأت أفكر جدياً في هذا الموضوع، فنحن ندرس مذهب أهل البيت، ولكن أجد فيما ندرسه مطاعن في أهل البيت (عليهم السلام) ندرس أمور الشريعة لنعبد الله بـها، ولكن فيها نصوصاً صريحة في الكفر بالله تعالى.
أي ربي ما هذا الذي ندرسه؟! أيمكن أن يكون هذا هو مذهب أهل البيت حقاً؟!
إن هذا يسبب انفصاماً في شخصية المرء، إذ كيف يعبد الله وهو يكفر به؟
كيف يقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وآله، وهو يطعن به؟!
كيف يتبع أهل البيت ويحبهم ويدرس مذهبهم، وهو يسبهم ويشتمهم؟!
رحماك ربي ولطفك بي، إن لم تدركني برحمتك لأكونن من الضالين بل من الخاسرين. وأعود وأسأل نفسي: ما موقف هؤلاء السادة والأئمة وكل الذين تقدموا من فحول العلماء، ما موقفهم من هذا؟ أما كانوا يرون هذا الذي أرى؟ أما كانوا يدرسون هذا الذي درست؟.
بلى، بل إن الكثير من هذه الكتب هي مؤلفاتـهم هم، وفيها ما سطرته أقلامهم، فكان هذا يدمي قلبي ويزيده ألماً وحسرة.
وكنت بحاجة إلى شخص أشكو إليه همومي وأبث أحزاني، فاهتديت أخيراً إلى فكرة طيبة وهي دراسة شاملة أعيد فيها النظر في مادتي العلمية، فقرأت كل ما وقفت عليه من المصادر المعتبرة وحتى غير المعتبرة، بل قرأت كل كتاب وقع في يدي، فكانت تستوقفني فقرات ونصوص كنت أشعر بحاجة لأن أعلق عليها، فأخذت أنقل تلك النصوص وأعلق عليها بما يجول في نفسي، فلما انتهيت من قراءة المصادر المعتبرة، وجدت عندي أكداساً من قصاصات الورق فاحتفظت بـها عسى أن يأتي يوم يقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً.
وبقيت علاقاتي حسنة مع كل المراجع الدينية والعلماء والسادة الذين قابلتهم، وكنت أخالطهم لأصل إلى نتيجة تعينني إذا ما اتخذت يوماً القرار الصعب، فوقفت على الكثير حتى صارت قناعتي تامة في اتخاذ القرار الصعب، ولكني كنت انتظر الفرصة المناسبة. وكنت أنظر إلى صديقي العلامة السيد موسى الموسوي فأراه مثلاً طيباً عندما أعلن رفضه للانحراف الذي طرأ على المنهج الشيعي، ومحاولاته الجادة في تصحيح هذا المنهج. ثم صدر كتاب الأخ السيد أحمد الكاتب (تطور الفكر الشيعي) وبعد أن طالعته وجدت أن دوري قد حان في قول الحق وتبصير إخواني المخدوعين، فإننا كعلماء مسؤولون عنهم يوم القيامة فلا بد لنا من تبصيرهم بالحق وإن كان مراً.
ولعل أسلوبي يختلف عن أسلوب السيدين الموسوي والكاتب في طرح نتاجاتنا العلمية، وهذا بسبب ما توصل إليه كل منا من خلال دراسته التي قام بـها.
ولعل السيدين المذكورين في ظرف يختلف عن ظرفي، ذلك أن كلاً منهما قد غادر العراق واستقر في دولة من دول الغرب، وبدأ العمل من هناك.
أما أنا فما زلت داخل العراق وفي النجف بالذات، والإمكانات المتوافرة لدي لا ترقى إلى إمكانات السيدين المذكورين، لأني وبعد تفكير طويل في البقاء أو المغادرة، قررت البقاء والعمل هنا صابراً محتسباً ذلك عند الله تعالى، وأنا على يقين أن هناك الكثير من السادة ممن يشعرون بتأنيب الضمير لسكوتـهم ورضاهم مما يرونه ويشاهدونه، ومما يقرأونه في أمهات المصادر المتوافرة عندهم، فأسأل الله تعالى أن يجعل كتابي حافزاً لهم في مراجعة النفس وترك سبيل الباطل وسلوك سبيل الحق، فإن العمر قصير والحجة قائمة عليهم، فلم يبق لهم بعد ذلك من عذر.
وهناك بعض السادة ممن تربطني بـهم علاقات استجابوا لدعوتي لهم - والحمد لله - فقد اطلعوا على هذه الحقائق التي توصلت إليها وبدؤوا هم أيضاً بدعوة الآخرين فنسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياهم لتبصير الناس بالحقيقة، وتحذيرهم من مغبة الانجراف في الباطل، إنه أكرم مسؤول.
وإني لأعلم أن كتابي هذا سيلقى الرفض والتكذيب والاتـهامات الباطلة، وهذا لا يضرني، فإني قد وضعت هذا كله في حسابي، وسيتهمونني بالعمالة لإسرائيل أو أمريكا، أو يتهمونني أني بعت ديني وضميري بعرض من الدنيا، وهذا ليس ببعيد ولا بغريب، فقد اتـهموا صديقنا العلامة السيد موسى الموسوي بمثل هذا، حتى قال السيد علي الغروي: إن ملك السعودية فهد بن عبد العزيز قد أغرى الدكتور الموسوي بامرأة جميلة من آل سعود وبتحسين وضعه المادي، فوضع له مبلغاً محترماً في أحد البنوك الأمريكية لقاء انخراطه في مذهب الوهابيين!!.
فإذا كان هذا نصيب الدكتور الموسوي من الكذب والافتراء والإشاعات الرخيصة، فما هو نصيبي أنا وماذا سيشيعون عني؟! ولعلهم يبحثون عني ليقتلوني كما قتلوا قبلي من صدع بالحق، فقد قتلوا نجل مولانا الراحل آية الله العظمى الإمام السيد أبي الحسن الأصفهاني أكبر أئمة الشيعة من بعد عصر الغيبة الكبرى وإلى اليوم، وسيد علماء الشيعة بلا منازع عندما أراد تصحيح منهج الشيعة ونبذ الخرافات التي دخلت عليه، فلم يرق لهم ذلك، فذبحوا نجله كما يذبح الكبش ليصدوا هذا الإمام عن منهجه في تصحيح الانحراف الشيعي، كما قتلوا قبله السيد أحمد الكسروي عندما أعلن براءته من هذا الانحراف، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي فقطعوه إرباً إرباً.
وهناك الكثيرون ممن انتهوا إلى مثل هذه النهاية جراء رفضهم تلك العقائد الباطلة التي دخلت إلى التشيع، فليس بغريب إذا ما أرادوا لي مثل هذا المصير.
إن هذا كله لا يهمني، وحسبي أني أقول الحق، وأنصح إخواني وأذكرهم وألفت نظرهم إلى الحقيقة، ولو كنت أريد شيئاً من متاع الحياة الدنيا فإن المتعة والخمس كفيلان بتحقيق ذلك لي، كما يفعل الآخرون حتى صاروا هم أثرياء البلد وبعضهم يركب أفضل أنواع السيارات بأحدث موديلاتـها، ولكني والحمد لله أعرضت عن هذا كله منذ أن عرفت الحقيقة، وأنا الآن أكسب رزقي ورزق عائلتي بالأعمال التجارية الشريفة.
لقد تناولت في هذا الكتاب موضوعات محددة، ليقف إخواني كلهم على الحقيقة، حتى لا تبقى هناك غشاوة على بصر أي فرد كان منهم.
وفي النية تأليف كتب أخرى تتعلق بموضوعات غير هذه، ليكون المسلمون جميعاً على بينة، فلا يبقى عذراً لغافل أو حجة لجاهل.
وأنا على يقين أن كتابي هذا سيلقى القبول عند طلاب الحق - وهم كثيرون والحمد لله - وأما من فضل البقاء في الضلالة -لئلا يخسر مركزه فتضيع منه المتعة والخمس- من (أولئك) الذين لبسوا العمائم وركبوا عجلات (المرسيدس) و(السوبر) فهؤلاء ليس لنا معهم كلام، والله حسيبهم على ما اقترفوا ويقترفون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
عبد الله بن سبأ
إن الشائع عندنا -معاشر الشيعة- أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لا حقيقة لها، اخترعها أهل السنة من أجل الطعن بالشيعة ومعتقداتـهم، فنسبوا إليه تأسيس التشيع، ليصدوا الناس عنهم وعن مذهب أهل البيت.
وسألت السيد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ فقال:
إن ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً على آل البيت الأطهار، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بـهذه الشخصية.
ولكني وجدت في كتابه المعروف (أصل الشيعة وأصولها) ص40-41 ما يدل على وجود هذه الشخصية وثبوتـها حيث قال: "أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه..".
ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية، فلما راجعته في ذلك قال: إنا قلنا هذا تقية، فالكتاب المذكور مقصود به أهل السنة، ولهذا اتبعت قولي المذكور بقولي بعده: "على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبد الله بن سبأ (وأمثاله) كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر المجوف".
وقد ألف السيد مرتضى العسكري كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) أنكر فيه وجود شخصية ابن سبأ، كما أنكرها أيضاً السيد محمّد جواد مغنية في تقديمه لكتاب السيد العسكري المذكور.
وعبد الله بن سبأ هو أحد الأسباب التي ينقم من أجلها أغلب الشيعة على أهل السنة. ولا شك أن الذين تحدثوا عن ابن سبأ من أهل السنة لا يحصون كثرة ولكن لا يعول الشيعة عليهم لأجل الخلاف معهم.
بيد أننا إذا قرأنا كتبنا المعتبرة نجد أن ابن سبأ شخصية حقيقية وإن أنكرها علماؤنا أو بعضهم. وإليك البيان:
1- عن أبي جعفر : (أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله -تعالى عن ذلك- فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال: نعم أنت هو، وقد كان قد ألقى في روعي أنت الله وأني نبي، فقال أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب، فأبى، فحبسه، واستتابه ثلاثة أيام، فلم يتب، فأحرقه بالنار وقال: "إن الشيطان استهواه، فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك").
وعن أبي عبد الله أنه قال: (لعن الله عبد الله بن سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين ، وكان والله أمير المؤمنين عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم، نبرأ إلى الله منهم)، (معرفة أخبار الرجال) للكشي (70-71)، وهناك روايات أخرى.
2- وقال المامقاني: (عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو) وقال: (غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن علياً إله، وأنه نبي) (تنقيح المقال في علم الرجال)، (2/183، 184).
3- وقال النوبختي: (السبئية قالوا بإمامة علي وأنـها فرض من الله عز وجل وهم أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال: "إن علياً أمره بذلك" فأخذه عليّ فسأله عن قوله هذا، فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك؟ فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بـهذه المقالة، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه .. فمن هنا قال من خالف الشيعة: إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية) (فرق الشيعة)، (32-44).
4- وقال سعد بن عبد الله الأشعري القمي في معرض كلامه عن السبئية: (السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن خرسي وابن اسود وهما من أجل أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم) (المقالات والفرق)، (20).
5- وقال الصدوق:
وقال أمير المؤمنين : (إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء وينصب في الدعاء، فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟
فقال: أو ما تقرأ: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات:22]، فمن أين يطلب الرزق إلا موضعه؟ وموضعه -الرزق- ما وعد الله عز وجل السماء) (من لا يحضره الفقيه) (1/229).
6- وذكر ابن أبي الحديد أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له: (أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له -علي- ويلك من أنا، فقال: أنت الله، فأمر بأخذه وأخذ قوم كانوا معه على رأيه)، شرح نـهج البلاغة (5/5).
7- وقال السيد نعمة الله الجزائري:
(قال عبد الله بن سبأ لعلي : أنت الإله حقاً، فنفاه علي إلى المدائن، وقيل أنه كان يهودياً فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي) (الأنوار النعمانية) (2/234).
فهذه سبعة نصوص من مصادر معتبرة ومتنوعة بعضها في الرجال وبعضها في الفقه والفرق، وتركنا النقل عن مصادر كثيرة لئلا نطيل كلها تثبت وجود شخصية اسمها عبد الله بن سبأ، فلا يمكننا بعد نفي وجودها خصوصاً وإن أمير المؤمنين قد أنزل بابن سبأ عقاباً على قوله فيه بأنه إله، وهذا يعني أن أمير المؤمنين قد التقى عبد الله بن سبأ وكفى بأمير المؤمنين حجة فلا يمكن بعد ذلك إنكار وجوده.
نستفيد من النصوص المتقدمة ما يأتي:
1- إثبات وجود شخصية ابن سبأ ووجود فرقة تناصره وتنادي بقوله، وهذه الفرقة تعرف بالسبئية.
2- إن ابن سبأ هذا كان يهودياً فأظهر الإسلام، وهو وإن أظهر الإسلام إلا أن الحقيقة أنه بقي على يهوديته، وأخذ يبث سمومه من خلال ذلك.
3- إنه هو الذي أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وكان أول من قال بذلك، وهو أول من قال بإمامة أمير المؤمنين ، وهو الذي قال بأنه وصى النبي صلى الله عليه وآله، وأنه نقل هذا القول عن اليهودية، وأنه ما قال هذا إلا محبة لأهل البيت ودعوة لولايتهم، والتبرؤ من أعدائهم -وهم الصحابة ومن ولاهم بزعمه-.
إذن شخصية عبد الله بن سبأ حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها في كتبنا ومصادرنا المعتبرة، وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية، انظر المصادر الآتية:
الغارات للثقفي، رجال الطوسي، الرجال للحلي، قاموس الرجال للتستري، دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري، الكنى والألقاب لعباس القمي، حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفى سنة (673)، الرجال لابن داود، التحرير للطاووسي، مجمع الرجال للقهبائي، نقد الرجال للتفرشي، جامع الرواة للمقدسي الأردبيلي مناقب آل أبي طالب لابن شهر أشوب، مرآة الأنوار لمحمد بن طاهر العاملي، فهذه على سبيل المثال لا الحصر أكثر من عشرين مصدراً من مصادرنا تنص كلها على وجود ابن سبأ، فالعجب كل العجب من فقهائنا أمثال المرتضى العسكري والسيد محمّد جواد مغنية وغيرهما في نفي وجود هذه الشخصية، ولا شك أن قولهم ليس فيه شيء من الصحة.
الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت
إن من الشائع عندنا معاشر الشيعة، اختصاصنا بأهل البيت، فالمذهب الشيعي كله قائم على محبة أهل البيت -حسب رأينا- إذ الولاء والبراء مع العامة -وهم أهل السنة- بسبب أهل البيت، والبراءة من الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الثلاثة وعائشة بنت أبي بكر بسبب الموقف من أهل البيت، والراسخ في عقول الشيعة جميعاً صغيرهم وكبيرهم، عالمهم وجاهلهم، ذكرهم وأنثاهم، أن الصحابة ظلموا أهل البيت، وسفكوا دماءهم واستباحوا حرماتـهم.
وإن أهل السنة ناصبوا أهل البيت العداء، ولذلك لا يتردد أحدنا في تسميتهم بالنواصب، ونستذكر دائماً دم الحسين الشهيد ، ولكن كتبنا المعتبرة عندنا تبين لنا الحقيقة، إذ تذكر لنا تذمر أهل البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم، وتذكر لنا ما فعله الشيعة الأوائل بأهل البيت، وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام، ومن الذي تسبب في مقتلهم واستباحة حرماتـهم.
قال أمير المؤمنين : (لو ميزت شيعتي لما وجدتـهم إلا واصفة، ولو امتحنتهم لما وجدتـهم إلا مرتدين، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد) (الكافي/الروضة 8/338).
وقال أمير المؤمنين :
(يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة جرت والله ندماً وأعقبت صدماً.. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب، ولكن لا رأي لمن لا يطاع) (نـهج البلاغة 70، 71).
وقال لهم موبخاً: منيت بكم بثلاث، واثنتين:
(صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء .. قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها) (نـهج البلاغة 142).
قال لهم ذلك بسبب تخاذلهم وغدرهم بأمير المؤمنين وله فيهم كلام كثير.
وقال الإمام الحسين في دعائه على شيعته:
(اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، فإنـهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا) (الإرشاد للمفيد 241).
وقد خاطبهم مرة أخرى ودعا عليهم، فكان مما قال:
(لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتـهافتم كتهافت الفراش، ثم نقضتموها، سفهاً وبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم انتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين) (الاحتجاج 2/24).
وهذه النصوص تبين لنا من هم قتلة الحسين الحقيقيون، إنـهم شيعته أهل الكوفة، أي أجدادنا، فلماذا نحمل أهل السنة مسؤولية مقتل الحسين ؟!
ولهذا قال السيد محسن الأمين:
(بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، وقتلوه) (أعيان الشيعة/القسم الأول 34).
وقال الحسن :
(أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء يزعمون أنـهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقن به من دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً، ووالله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير) (الاحتجاج 2/10).
وقال الإمام زين العابدين لأهل الكوفة:
(هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ثم قاتلتموه وخذلتموه .. بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول لكم: قاتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي) (الاحتجاج 2/32).
وقال أيضاً عنهم:
(إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟) (الاحتجاج 2/29).
وقال الباقر :
(لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم بنا شكاكاً والربع الآخر أحمق) (رجال الكشي 79).
وقال الصادق :
(أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثي ما استحللت أن أكتمهم حديثاً) (أصول الكافي 1/496).
وقالت فاطمة الصغرى عليها السلام في خطبة لها في أهل الكوفة:
(يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والمكر والخيلاء، إنا أهل البيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسناً .. فكفرتمونا وكذبتمونا ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نـهباً .. كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت .. تباً لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم .. ويذيق بعضكم بأس ما تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين. تباً لكم يأهل الكوفة، كم قرأت لرسول الله صلى الله عليه وآله قبلكم، ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب وجدي، وبنيه وعترته الطيبين.
فرد علينا أحد أهل الكوفة مفتخراً فقال:
نحن قتلنا علياً وبني علي بسيوف هندية ورماحِ
وسبينا نساءهم سبي تركٍ ونطحناهمُ فأيُّ نطاحِ (الاحتجاج 2/28)
وقالت زينب بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليها لأهل الكوفة تقريعاً لهم: (أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل والغدر والخذل .. إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب .. أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فقد ابليتم بعارها .. وانى ترخصون قتل سليل خاتم النبوة ..) (الاحتجاج 2/29-30).
نستفيد من هذه النصوص وقد -أعرضنا عن كثير غيرها- ما يأتي:
1- ملل وضجر أمير المؤمنين وذريته من شيعتهم أهل الكوفة لغدرهم ومكرهم وتخاذلهم.
2- تخاذل أهل الكوفة وغدرهم تسبب في سفك دماء أهل البيت واستباحة حرماتـهم.
3- إن أهل البيت عليهم السلام يحملون شيعتهم مسؤولية مقتل الحسين ومن معه وقد اعترف أحدهم برده على فاطمة الصغرى بأنـهم هم الذين قتلوا علياً وبنيه وسبوا نساءهم كما قدمنا لك.
4- إن أهل البيت عليهم السلام دعوا على شيعتهم ووصفوهم بأنـهم طواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم زادوا على تلك بقولهم: ألا لعنة الله على الظالمين ولهذا جاؤوا إلى أبي عبد الله ، فقالوا له:
(إنا قد نبزنا نبزاً أثقل ظهورنا وماتت له أفئدتنا، واستحلت له الولاة دماءنا في حديث رواه لهم فقهاؤهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: الرافضة؟ قالوا: نعم، فقال: لا والله ما هم سموكم .. ولكن الله سماكم به) (الكافي 5/34).
فبين أبو عبد الله أن الله سماهم (الرافضة) وليس أهل السنة.
لقد قرأت هذه النصوص مراراً، وفكرت فيها كثيراً، ونقلتها في ملف خاص وسهرت الليالي ذوات العدد أنعم النظر فيها -وفي غيرها الذي بلغ أضعاف أضعاف ما نقلته لك- فلم أنتبه لنفسي إلا وأنا أقول بصوت مرتفع: كان الله في عونكم يا أهل البيت على ما لقيتم من شيعتكم.
نحن نعلم جميعاً ما لاقاه أنبياء الله ورسله عليهم السلام من أذى أقوامهم، وما لاقاه نبينا صلى الله عليه وآله، ولكني عجبت من اثنين، من موسى وصبره على بني إسرائيل، إذ نلاحظ أن القرآن الكريم تحدث عن موسى أكثر من غيره، وبين صبره على أكثر أذى بني إسرائيل ومراوغاتـهم وحبائلهم ودسائسهم.
وأعجب من أهل البيت سلام الله عليهم على كثرة ما لقوه من أذى من أهل الكوفة وعلى عظيم صبرهم على أهل الكوفة مركز الشيعة، على خيانتهم لهم وغدرهم بـهم وقتلهم لهم وسلبهم أموالهم، وصبر أهل البيت على هذا كله، ومع هذا نلقي باللائمة على أهل السنة ونحملهم المسؤولية!.
وعندما نقرأ في كتبنا المعتبرة نجد فيها عجباً عجاباً، قد لا يصدق أحدنا إذا قلنا: إن كتبنا معاشر الشيعة -تطعن بأهل البيت عليهم السلام وتطعن بالنبي صلى الله عليه وآله- وإليك البيان:
عن أمير المؤمنين إن غُفيراً -حمار رسول الله صلى الله عليه وآله- قال له: بأبي أنت وأمي -يا رسول الله- إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن أبيه: (أنه كان مع نوح في السفينة، فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار) (أصول الكافي 1/237).
وهذه الرواية تفيدنا بما يأتي:
1- الحمار يتكلم!
2- الحمار يخاطب رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله: فداك أبي وأمي!، مع أن المسلمين هم الذين يفدون رسول الله صلوات الله عليه بآبائهم وأمهاتـهم لا الحمير.
3- الحمار يقول: (حدثني أبي عن جدي إلى جده الرابع!) مع أن بين نوح ومحمد ألوفاً من السنين، بينما يقول الحمار أن جده الرابع كان مع نوح في السفينة. كنا نقرأ أصول الكافي مرة مع بعض طلبة الحوزة في النجف على الإمام الخوئي فرد الإمام الخوئي قائلاً:
انظروا إلى هذه المعجزة، نوح سلام الله عليه يخبر بمحمد وبنبوته قبل ولادته بألوف السنين.
بقيت كلمات الإمام الخوئي تتردد في مسمعي مدة وأنا أقول في نفسي:
وكيف يمكن أن تكون هذه معجزة وفيها حمار يقول لرسول الله صلى الله عليه وآله: بأبي أنت وأمي؟! وكيف يمكن لأمير المؤمنين سلام الله عليه أن ينقل مثل هذه الرواية؟!.
لكني سكت كما سكت غيري من السامعين.
ونقل الصدوق عن الرضا في قوله تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نِفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، قال الرضا مفسراً هذه الآية:
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده، فرأى امرأته زينب تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك) (عيون أخبار الرضا 112).
فهل ينظر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى امرأة رجل مسلم ويشتهيها ويعجب بـها ثم يقول لها سبحان الذي خلقك؟!، أليس هذا طعناً برسول الله صلى الله عليه وآله؟!.
وعن أمير المؤمنين أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده أبو بكر وعمر (فجلست بينه وبين عائشة، فقالت عائشة: ما وجدت إلا فخذي وفخذ رسول الله؟ فقال: مه يا عائشة) (البرهان في تفسير القرآن 4/225).
وجاء مرة أخرى فلم يجد مكاناً فأشار إليه رسول الله: ههنا -يعني خلفه- وعائشة قائمة خلفه وعليها كساء: فجاء علي فقعد بين رسول الله وبين عائشة، فقالت وهي غاضبة: (ما وجدت لاستك -دبرك أو مؤخرتك- موضعاً غير حجري؟ فغضب رسول الله وقال: يا حميراء لا تؤذيني في أخي) (كتاب سليم بن قيس 179).
وروى المجلسي أن أمير المؤمنين قال: (سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ليس له خادم غيري، وكان له لحاف ليس له غيره، ومعه عائشه، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره، فإذا قام إلى الصلاة -صلاة الليل- يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا) (بحار الأنوار 40/2).
هل يرضى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجلس علي في حجر عائشة امرأته؟ ألا يغار رسول الله صلى الله عليه وآله على امرأته وشريكة حياته إذا تركها في فراش واحد مع ابن عمه الذي لا يعتبر من المحارم؟ ثم كيف يرتضي أمير المؤمنين ذلك لنفسه؟!.
قال السيد علي غروي أحد أكبر العلماء في الحوزة: (إن النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يدخل فرجه النار، لأنه وطئ بعض المشركات) يريد بذلك زواجه من عائشة وحفصة، وهذا كما هو معلوم فيه إساءة إلى النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لو كان فرج رسول الله صلى الله عليه وآله يدخل النار فلن يدخل الجنة أحد أبداً.
أكتفي بـهذه الروايات الست المتعلقة برسول الله صلوات الله عليه لأنتقل إلى غيرها.
فقد أوردوا روايات في أمير المؤمنين هذه بعضها:
عن أبي عبد الله قال: (أتى عمر بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تـهواه، فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابـها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتـهمها) (بحار الأنوار (40/303).
ونحن نتساءل هل ينظر أمير المؤمنين بين فخذي امرأة أجنبية؟ وهل يعقل أن ينقل الإمام الصادق هذا الخبر؟ وهل يقول هذا الكلام رجل أحب أهل البيت؟
وعن أبي عبد الله قال: قامت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين وهو على المنبر فقالت: هذا قاتل الأحبة، فنظر إليها وقال لها:
(يا سلفع يا جريئة يا بذيّة يا مذكرّة يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي علي منها شيء بين مدلى) (البحار 41/293).
فهل يتلفظ أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام البذئ؟ هل يخاطب امرأة بقوله يا التي علي منها شيء بين مدلى؟ وهل ينقل الصادق مثل هذا الكلام الباطل؟ لو كانت هذه الروايات في كتب أهل السنة لأقمنا الدنيا ولم نقعدها، ولفضحناهم شر فضيحة، ولكن في كتبنا نحن الشيعة!
وفي الاحتجاج للطبرسي أن فاطمة سلام الله عليها قالت لأمير المؤمنين :
يا ابن أبي طالب! اشتملت مشيمة الجنين وقعدت حجرة الظنين. وروى الطبرسي في الاحتجاج أيضاً كيف أن عمر ومن معه اقتادوا أمير المؤمنين والحبل في عنقه وهم يجرونه جراً حتى انتهى به إلى أبي بكر ثم نادى بقوله: ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني!! ونحن نسأل يا ترى أكان أمير المؤمنين جباناً إلى هذا الحد؟
وانظر وصفهم لأمير المؤمنين إذ قالت فاطمة عنه.
(إن نساء قريش تحدثني عنه إنه رجل دحداح البطن، طويل الذراعين ضخم الكراديس، أنزع، عظيم العينين، لمنكبه مشاش كمشاش البعير، ضاحك السن لا مال له) (تفسير القمي 2/336).
وعن أبي إسحاق أنه قال:
(أدخلني أبي المسجد يوم الجمعة فرفعني فرأيت علياً يخطب على المنبر شيخاً، أصلع، ناتئ الجبهة، عريض ما بين المنكبين في عينه اطرغشاش (يعني لين في عينه) مقاتل الطالبين).
فهل كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين ؟؟
نكتفي بـهذا القدر لننتقل إلى روايات تتعلق بفاطمة سلام الله عليها.
روى أبو جعفر الكليني في أصول الكافي أن فاطمة أخذت بتلابيب عمر إليها، وفي كتاب سليم بن قيس (أنـها سلام الله عليها تقدمت إلى أبي بكر وعمر في قضية فدك وتشاجرت معهما، وتكلمت في وسط الناس وصاحت وجمع الناس إليها) (253).
فهل كانت عرمة حتى تفعل هذا؟
وروى الكليني في الفروع أنـها سلام الله عليها ما كانت راضية بزواجها من علي إذ دخل عليها أبوها وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك؟ فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه، وما أنا زوجتك ولكن الله زوجك، ولما دخل عليها أبوها صلوات الله عليه ومعه بريده: لما أبصرت أباها دمعت عيناها، قال ما يبكيك يا بنيتي؟ قالت: (قلة الطعم، وكثرة الهم، وشدة الغم، وقالت في رواية: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي) (كشف الغمة 1/149-150) وقد وصفوا علياً وصفاً جامعاً فقالوا: (كان أسمر مربوعاً، وهو إلى القصر أقرب، عظيم البطن، دقيق الأصابع، غليظ الذراعين حَمِش الساقين في عينه لين عظيم اللحية أصلع، ناتئ الجبهة) (مقاتل الطالبين 27).
فإذا كانت هذه أوصاف أمير المؤمنين كما يقولون فكيف يمكن أن ترضى به؟ ونكتفي بـهذه النصوص حرصاً على عدم الإطالة، وكانت الرغبة أن ننقل ما ورد من نصوص بحق كل واحد من الأئمة عليهم السلام، ثم عدلنا عن ذلك إلى الاكتفاء بخمس روايات وردت بحق كل واحد، ثم رأينا أن الأمر أيضاً يطول إذ نقلنا خمس روايات وردت بحق النبي صلوات الله عليه وخمساً أخرى بحق أمير المؤمنين وخمساً أخرى بحق فاطمة سلام الله عليها فاستغفرق ذلك صفحات عديدة، لذلك سنحاول أن نختصر أكثر حتى نطلع على خفايا أكثر.
نقل الكليني في الأصول من الكافي: أن جبريل نزل على محمّد صلى الله عليه وآله فقال له: يا محمّد إن الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك فقال: يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة، تقتله أمتي من بعدي، فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك: يا جبريل وعلى ربي السلام، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك: يا جبريل وعلى ربي السلام لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي. فعرج جبريل إلى السماء ثم هبط فقال: يا محمّد إن ربك يقرئك السلام ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: إني رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي في مولود تقتله أمتك من بعدك، وأرسل إليها إن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه إني رضيت، فحملته كرهاً .. ووضعته كرهاً ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى بالنبي صلى الله عليه وآله فيضع إبـهامه في فيه فيمص ما يكفيه اليومين والثلاثة).
ولست أدري هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرد أمراً بشره الله به؟ وهل كانت الزهراء سلام الله عليها ترد أمراً قد قضاه الله وأراد تبشيرها به فتقول: (لا حاجة لي به)؟. وهل حملت بالحملين وهي كارهة له ووضعته وهي كارهة له؟ وهل امتنعت عن ارضاعه حتى كان يؤتى بالنبي صلوات الله عليه ليرضعه من إبـهامه ما يكفيه اليومين والثلاثة؟
إن سيدنا ومولانا الحسين الشهيد سلام الله عليه أجل وأعظم من أن يقال بحقه مثل هذا الكلام، وهو أجل وأعظم من أن تكره أمه حمله ووضعه. إن نساء الدنيا يتمنين أن تلد كل واحدة منهن عشرات الأولاد مثل الإمام الحسين سلام ربي عليه، فكيف يمكن للزهراء الطاهرة العفيفة أن تكره حمل الحسين وتكره وضعه وتمتنع عن إرضاعه؟؟
في جلسة ضمت عدداً من السادة وطلاب الحوزة العلمية تحدث الإمام الخوئي فيها عن موضوعات شتى ثم ختم كلامه بقوله: قاتل الله الكفرة. قلنا: من هم؟ قال: النواصب -أهل السنة- يسبون الحسين صلوات الله عليه بل يسبون أهل البيت!!.
ماذا أقول للإمام الخوئي؟!
لما زوج أمير المؤمنين ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، نقل أبو جعفر الكليني عن أبي عبد الله أنه قال في ذلك الزواج: (إن ذلك فرج غصبناه!!!) (فروع الكافي 2/141).
ونسأل قائل هذا الكلام: هل تزوج عمر أم كلثوم زواجاً شرعياً أم اغتصبها غصباً؟ إن الكلام المنسوب إلى الصادق واضح المعنى، فهل يقول أبو عبد الله مثل هذا الكلام الباطل عن ابنة المرتضى ؟
ثم لو كان عمر اغتصب أم كلثوم فكيف رضي أبوها أسد الله وذو الفقار وفتى قريش بذلك؟!.
عندما نقرأ في الروضة من الكافي (8/101)، في حديث أبي بصير مع المرأة التي جاءت إلى أبي عبد الله تسأل عن (أبي بكر وعمر) فقال لها: توليهما، قالت: فأقول لربي إذا لقيته أنك أمرتني بولايتهما؟ قال: نعم.
فهل الذي يأمر بتولي عمر نتهمه بأنه اغتصب امرأة من أهل البيت؟؟
لما سألت الإمام الخوئي عن قول أبي عبد الله للمرأة بتولي أبي بكر وعمر، قال: إنما قال لها ذلك تقية!!.
وأقول للإمام الخوئي: إن المرأة كانت من شيعة أهل البيت، وأبو بصير من أصحاب الصادق فما كان هناك موجب للقول بالتقية لو كان ذلك صحيحاً، فالحق إن هذا التبرير الذي قال به أبو القاسم الخوئي غير صحيح.
وأما الحسن فقد روى المفيد في الإرشاد عن أهل الكوفة أنـهم: شدوا على فسطاطه وانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته فبقى جالساً متقلداً السيف بغير رداء) (ص190) أيبقى الحسن بغير رداء مكشوف العورة أمام الناس؟ أهذه محبة؟.
ودخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن وهو في داره فقال للإمام الحسن: (السلام عليك يا مذل المؤمنين! قال وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمة فخلعته من عنقك، وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله؟) (رجال الكشي 103).
هل كان الحسن مذلاً للمؤمنين؟ أم أنه كان معزاً لهم لأنه حقن دمائهم ووحد صفوفهم بتصرفه الحكيم ونظره الثاقب؟
فلو أن الحسن حارب معاوية وقاتله على الخلافة لأريق بحر من دماء المسلمين، ولقتل منهم عدد لا يحصيه إلا الله تبارك وتعالى، ولمزقت الأمة تمزيقاً ولما قامت لها قائمة من ذلك الوقت.
وللأسف فإن هذا القول ينسب إلى أبي عبد الله ووالله إنه لبريء من هذا الكلام وأمثاله.
وأما الإمام الصادق فقد ناله منهم شتى أنواع الأذى ونسبوا إليه كل قبيح، اقرأ معي هذا النص:
عن زرارة قال: (سألت أبا عبد الله عن التشهد .. قلت التحيات والصلوات .. فسألته عن التشهد فقال كمثله، قال: التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً) (رجال الكشي 142).
حق لنا أن نبكي دماً على الإمام الصادق نعم ..كلمة قذرة كهذه تقال في حق الإمام أبي عبد الله؟ أيضرط زرارة في لحية أبي عبد الله ؟! أيقول عن الصادق لا يفلح أبداً؟؟
لقد مضى على تأليف كتاب الكشي عشرة قرون، وتداولته أيدي علماء الشيعة كلهم على اختلاف فرقهم، فما رأيت أحداً منهم اعترض على هذا الكلام أو أنكره أو نبه عليه، وحتى الإمام الخوئي، لما شرع في تأليف كتابه الضخم (معجم رجال الحديث) فإني كنت أحد الذين ساعدوه في تأليف هذا السفر وفي جمع الروايات من بطون الكتب، لما قرأنا هذه الرواية على مسمعه أطرق قليلاً، ثم قال: لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، ما زاد على ذلك، ولكن أيها الإمام الجليل إن الهفوة تكون بسبب غفلة أو خطأ غير مقصود، إن قوة العلاقة بك إذا كنت لك بمنـزلة الولد للوالد، وكنت مني بمنـزلة الوالد لولده تحتم علي أن أحمل كلامك على حسن النية وسلامة الطوية وإلا لما كنت أرضى منك السكوت على هذه الإهانة على الإمام الصادق أبي عبد الله .
وقال ثقة الإسلام الكليني (حدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة -والمراد إمامه-)
وقد كتبوا في شرح هذا الحديث:
إن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم.
فهل الإمام الصادق (لا عقل له)؟.
إن قلبي ليعتصر ألماً وحزناً، فإن هذا السباب وهذه الشتائم وهذه الجرأة لا يستحقها أهل البيت الكرام، فينبغي التأدب معهم.
وأما العباس وابنه عبد الله، وابنه الآخر عبيد الله، وعقيل عليهم السلام جميعاً فلم يسلموا من الطعن والغمز واللمز، اقرأ معي هذه النصوص.
روى الكشي أن قوله تعالى: لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ نزلت فيه -أي في العباس- (رجال الكشي 54).
وقوله تعالى: وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً وقوله تعالى: وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ نزلنا فيه (52-53) وروى الكشي أيضاً أن أمير المؤمنين دعا على عبد الله بن العباس وأخيه عبيدالله فقال: (اللهم العن ابني فلان -يعني عبد الله وعبيدالله- واعم أبصارهما كما عميت قلوبـهما الأجلين في رقبتي، واجعل عمى أبصارهما دليلاً على عمى قلوبـهما) (52).
وروى ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني في الفروع عن الإمام الباقر قال في أمير المؤمنين: (وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام، عباس وعقيل)
إن الآيات الثلاث التي زعم الكشي أنـها نزلت في العباس معناها الحكم عليه بالكفر والخلود في النار يوم القيامة، وإلا قل لي بالله عليك ما معنى قوله: فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً؟.
وأما أن أمير المؤمنين دعا على ولدي العباس عبد الله وعبيدالله باللعن وعمى البصر وعمى القلب فهذا تكفير لهما.
إن عبد الله بن العباس تلقبه العامة -أهل السنة- بترجمان القرآن وحبر الأمة، فكيف نلعنه نحن وندعي محبة أهل البيت عليهم السلام؟
وأما عقيل فهو أخو أمير المؤمنين فهل هو ذليل وحديث عهد بالإسلام؟!
وأما الإمام زين العابدين علي بن الحسين فقد روى الكليني: أن يزيد بن معاوية سأله أن يكون عبداً له، فرضي أن يكون عبداً ليزيد إذ قال له: (قد أقررت لك بما سألت، أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع) (الروضة من الكافي 8/235).
فانظر قوله وانظر معناه:
(قد أقررت بأني عبد لك، وأنا عبد مكره فإن شئت فأبقني عبداً لك وإن شئت أن تبيعني فبعني) فهل يكون الإمام عبداً ليزيد يبيعه متى شاء، ويبقي عليه متى شاء؟
إذا أردنا أن نستقصي ما قيل في أهل البيت جميعاً فإن الكلام يطول بنا إذ لم يسلم واحد منهم من كلمة نابية أو عبارة قبيحة أو عمل شنيع فقد نسبت إليهم أعمال شنيعة كثيرة وفي أمهات مصادرنا وسيأتيك شيء من ذلك في فصل قادم.
إقرأ معي هذه الرواية:
عن أبي عبد الله : (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة) (بحار الأنوار 43/42).
(وكان يضع وجهه الكريم بين ثديي فاطمة عليها السلام) (بحار الأنوار 43/78).
إن فاطمة سلام الله عليها امرأة بالغة فهل يعقل أن يضع رسول الله وجهه بين ثدييها؟! فإذا كان هذا نصيب رسول الله صلوات الله عليه ونصيب فاطمة فما نصيب غيرهما؟ لقد شكوا في الإمام محمّد القانع هل هو ابن الرضا أم أنه ابن (..).
إقرأ معي هذا النص:
عن علي بن جعفر الباقر أنه قيل للرضا :
(ما كان فينا إمام قط حائل اللون -أي تغير واسود- فقال لهم الرضا : هل ابني، قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقافة -مفردها قائف وهو الذي يعرف الآثار والأشباه ويحكم بالنسب- فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليه فأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتـهم ولتكونوا في بيوتكم.
فلما جاءوا أقعدونا في البستان واصطف عمومته واخوته وأخواته، وأخذوا الرضا ، وألبسوه جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاءوا بأبي جعفر فقالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عمه وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن قالوا: هذا أبوه) (أصول الكافي 1/322)، أي أنـهم شكوا في كون محمّد القانع سلام الله عليه ابن الرضا ، بينما يؤكد الرضا أنه ابنه، وأما الباقون فإنـهم أنكروا ذلك ولهذا قالوا: (ما كان فينا إمام قط حائل اللون) ولا شك أن هذا طعن في عرض الرضا واتـهام لامرأته وشك في عفتها، ولهذا ذهبوا فأتوا بالقافة، وحكم القافة بأن محمداً القانع هو ابن الرضا لصلبه، عند ذلك رضوا وسكتوا.
من الممكن اتـهام الآخرين بمثل هذه التهمة، وقد يصدق الناس ذلك، أما اتـهام أهل البيت صلوات الله عليهم فهذا من أشنع ما يكون، وللأسف فإن مصادرنا التي نزعم أنـها نقلت علم أهل البيت مليئة بمثل هذا الباطل ولا حول ولا قوة إلا بالله. عندما قرأنا هذا النص أيام دراستنا في الحوزة مر عليه علماؤنا ومراجعنا مرور الكرام، وما زلت أذكر تعليل الخوئي عندما عرضت عليه هذا النص إذ قال ناقلاً عن السيد آل كاشف الغطاء: إنما فعلوا ذلك لحرصهم على بقاء نسلهم نقياً!!.
بل اتـهموا الرضا سلام الله عليه بأنه كان يعشق بنت عم المأمون وهي تعشقه، (انظر عيون أخبار الرضا 153).
ولقبوا جعفراً بجعفر الكذاب فسبوه وشتموه مع أنه أخو الحسن العسكري فقال الكليني: (هو معلن الفسق فاجر، ماجن شريب للخمور أقل ما رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه) (أصول الكافي 1/504).
فهل في أهل البيت سلام الله عليهم شريب خمر؟! أو فاسق؟ أو فاجر؟
إذا أردنا أن نعرف تفاصيل أكثر فعلينا أن نقرأ المصادر المعتبرة عندنا لنعرف ماذا قيل في حق الباقين منهم عليهم السلام، ولنعرف كيف قتلت ذرياتـهم الطاهرة وأين قتلوا؟ ومن الذين قتلهم؟
لقد قتل عدد كبير منهم في ضواحي بلاد