الشيخ محمود أحمد نصر
عدد المساهمات : 45 نقاط : 1111 تاريخ التسجيل : 09/01/2012 العمر : 50 أوسمة العضو :
| موضوع: التعامل مع المبتدعة الإثنين يناير 23, 2012 3:51 pm | |
| التعامل مع المبتدعة في مقام الدعوة [color=blue][right[center]( الحلقة الثانية ) الهجر كعلاج للبدعة:ومن بين أهم المعالجات التي شرعها الإسلام في مواجهة بعض الانحرافات -ومن بينها البدعة- هجر أصحابها، وذلك لتضييق دائرة تأثير أصحابها وقصر مفسدتها وإظهار المجتمع في موقف الرافض لها ليستفيق صاحبها من غفلته ويعود إلى رشده. ومن فوائد الهجر التي قصدها الشارع: 1 - بعث اليقظة في نفوس المسلمين من الوقوع في البدعة وتحذيرهم منها. 2 - تحجيم انتشار البدعة. 3 - إعطاء ضمانة للسنن من شائبة البدع. 4 - قمع المبتدع وزجره ليضعف عن نشر بدعته. [انظر رسالة (هجر المبتدع)، بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله، إعداد سلمان بن عبدالقادر أبوزيد، بتصرف.]. فمعاشرة صاحب البدعة ومخالطته فتولد في صاحب البدعة طمأنينة إلى ما هو عليه، وربما أشعره بقبول المجتمع لبدعته وتزكيته إياها؛ وهذا قد يُغرر بالعامة، إذ أن العامة غالبا في حال جهلهم لا يفرقون بين السنة والبدعة، وربما استحسنوا ما استحسنه المبتدع فوقعوا فيما وقع فيه، فلا بد إذاً من الحجر على المبتدع استصلاحاً للديانة، وأحوال الجماعة، وهو ألزم من الحجر الصحي لاستصلاح الأبدان. وبعد أن نقل الشاطبي -رحمه الله تعالى- بعض الآثار في النهي عن توقير المبتدع، قال: (فإن الإيواء يجامع التوقير، ووجه ذلك ظاهر؛ لأن المشي إليه والتوقير له تعظيمٌ له لأجل بدعته؛ وقد علمنا أن الشرع يأمر بزجره وإهانته وإذلاله بما هو أشد من هذا كالضرب والقتل، فصار توقيره صدوداً عن العمل بشرع الإسلام، وإقبالاً على ما يضاده وينافيه، والإسلام لا ينهدم إلا بترك العمل به، والعمل بما ينافيه) [(الاعتصام) (1/85).] . وعلى كل حال فإن غياب التعامل الصحيح للمبتدع يحيي البدع ويميت السنن، وفي هذا هدم للإسلام بعينه. أنواع الهجر: أنواع الهجر ثلاثة:الأول: الهجر ديانة، أي: الهجر لحق الله تعالى، وهو من عمل أهل التقوى، في هجر السيئة، وهجر فاعلها، مبتدعًا أو عاصيًا. وهذا النوع من الهجر على قسمين: 1- هجر ترك: بمعنى هجر السيئات، وهجر قرناء السوء الذين تضره صحبتهم إلا لحاجة أو مصلحة راجحة، قال الله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]، وقال سبحانه: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: 10]، وقال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء: 140]، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)[أخرجه البخاري في الإيمان.]. 2- هجر تعزير: وهذا من العقوبات الشرعية التبصيرية التي يوقعها المسلم على المبتدعة على وجه التأديب، في دائرة الضوابط الشرعية للهجر حتى يتوب المبتدع ويفيء. وهذا النوع بقسميه من أصول الاعتقاد، والأمر فيه أمر إيجاب في أصل الشرع، ومباحثه في كتب السنن والتوحيد والاعتقاد وغيرها. النوع الثاني: الهجر لاستصلاح أمر دنيوي، أي الهجر لحق العبد، وفيه جاءت أحاديث الهجر بما دون ثلاث ليال، رواها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بأسانيد في الصحيحين وغيرها، وجميعها تفيد أن الشرع لم يرخص بهذا النوع من الهجر بين المسلمين إلا بما دون ثلاث ليال. وليس هو مجال حديثنا. النوع الثالث: الهجر قضاء، وهو من العقوبات التعزيرية للمعتدين، وهذا يبحثه الفقهاء في باب التعزير. وجعل شيخ الإسلام -رحمه الله- أنواع الهجر في الشرع قسمين، فقال: الهجر الشرعي نوعان: أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات. والثاني: بمعنى العقوبة عليها. فالأول: هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68]،.. فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة مثل قوم يشربون الخمر يجلس عندهم، وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم، وأمثال ذلك... النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر) (مجموع الفتاوى)(28/20). صفات الهجر:الأصل في الهجر هو الإعراض عن المبتدع والبراءة منه. ومن مفرداته تركُ: مجالسته، ومجاورته، وتوقيره، ومكالمته، والسلام عليه، والتسمية له، وبسط الوجه له، وسماع كلامه، ومشاورته.. كل ذلك بقصد إصلاحه إذا عُلم تحقق ذلك؛ أما إذا عُلم فساد حاله أكثر أو تضييع مصلحة المسلمين فتقدر الأمور بقدرها. وللهجر الشرعي ضوابط، منها: 1- لا بد أن يؤدي هذا الهجر إلى الهدف الذي شرع من أجله، وهو الإقلاع عن هذه البدعة، وإلى عدم فعل ما يشبهها من قبله، أو من قبل غيره، أما إذا كان المبتدع لا يزيده الهجر إلا تمادياً في السوء، وركوناً إلى أهل السوء، أو غير ذلك من المفاسد فإنه لا يهجر. فالمؤمن كالطبيب إذا رأى العلاج نافعاً فعله؛ لأن الهجر من باب العلاج،فإنكان الهجر يؤثر خيراً وينفع هُجر، وكان ذلك من باب العلاج لعله يتوب ويرجع عن خطئه إذا رأى من إخوانه أنهم يهجرونه، أما إذا كان الهجر يسبب مزيداً من الشر وكثرة أهل الشر وتعاونهم فإنه لا يهجر، ولكن يديم له النصح والتوجيه وإظهار الكراهة لما عمل، ولا يبين لهموافقته على باطله، ولكن يستمر في النصيحةوالتوجيه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به -يعني الهجر- زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً، وإن كان لا المهجور ولاغيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف... وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن التي كثرت فيها البدع -كما كثر القدَر في البصرة والتنجيم بخراسان والتشيع بالكوفة- وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه)(مجموع الفتاوى)(28/203). ولو أن طالب علم مثلاً ذهب إلى أهله في بادية بعيدة وخاصة التي يغلبُ عليها البدع، فوجدهم يفعلون ما يفعلون من البدع، فقال: أنا أعرف أن من أصول أهل السنة والجماعة هجر أهل البدع فلنهجرهم، فإنه لن يدع أحداً إلا هجره؛ لأن الناس ألفوا هذه البدع وعاشوا عليها، فيصير هو المنكر المهجور؛ لأن الهاجر في هذه الحالة ضعيف والمصلحة لا تتحقق، والمشكلة ليست في عدم قيام طالب العلم بالإنكار أو عدم هجره لأهل البدع، ولكن المشكلة أن المصلحة الشرعية غير حاصلة. 2- الهجر الشرعي عبادة من جنس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعبادة لا بد من توفر ركنيها: الإخلاص، والمتابعة، أي بأن يكون الهجر خالصاً صواباً، خالصاً لله صواباً وفق السنة، وإن هوى النفس ينقض ركنية الإخلاص، كما أن ركن المتابعة ينقضه عدم موافقة الهجر للمأمور به. 3- هجر المبتدع ليس عاماً في كل حال ومن كل إنسان ولكل مبتدع، كما أن ترك الهجر والإعراض عنه بالكلية، تفريط، وهجر لهذا الواجب الشرعي المعلوم وجوبه بالنص والإجماع، وإن مشروعية الهجر هي في دائرة ضوابطه الشرعية المبنية على رعاية المصالح ودرء المفاسد، وهذا مما يختلف باختلاف البدعة نفسها، واختلاف مبتدعها، واختلاف أحوال الهاجرين، واختلاف المكان والقوة والضعف، والقلة والكثرة، فلا بد من مراعاة كل هذا.
وللحديث بقية في الحلقة القادمة | |
|
أبو احمد صاحب الموقع
عدد المساهمات : 429 نقاط : 1894 تاريخ التسجيل : 03/11/2011 العمر : 40 الموقع : https://sona.mam9.com أوسمة العضو :
| موضوع: رد: التعامل مع المبتدعة السبت مارس 03, 2012 9:15 pm | |
| | |
|