ما إن بدأ مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية بشأن الأزمة السورية كوفي
أنان زيارة إلى دمشق في 10 مارس, إلا وأكد كثيرون أن تلك المهمة محكوم
عليها بالفشل مسبقا في ظل إصرار الرئيس بشار الأسد على استخدام أعلى درجات
القتل وفي فترة زمنية محدودة للقضاء على الانتفاضة ضد نظام حكمه.
ولعل ردود أفعال المعارضة السورية على التصريحات التي أدلى بها أنان في القاهرة في 9 مارس قبيل توجهه إلى دمشق ترجح صحة ما سبق.
وكان أنان التقى الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في القاهرة
وحذر من الخطر الذي تشكله الأزمة السورية على المنطقة, داعيا إلى تسوية
سياسية تلك الأزمة وإطلاق حوار بين نظام الأسد والمعارضة.
وعلى الفور, أعلن رئيس المجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون رفضه
دعوة أنان للتحاور مع نظام الأسد, وقال في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس"
إن أي حل سياسي لن ينجح ما لم يصحبه ضغط عسكري, منتقدا أنان لـ "تجنبه"
الإشارة إلى جوهر المشكلة وهو الاستعمال المفرط للقوة العسكرية ضد
المحتجين.
وتابع غليون" تحذير أنان من أن مزيدا من التسليح من شأنه أن يزيد الأوضاع تعقيدا تسبب في خيبة أمل كبيرة لأبناء الشعب السوري الذين
يتعرضون يوميا لحملات قتل ومجازر مروعة".
وفي السياق ذاته, انتقد عضو تيار التغيير الوطني السوري المعارض وحيد صقر
دعوة أنان للحوار, وأكد أن أكثر من 15 ألف قتيل سقطوا في سوريا منذ بدء
الاحتجاجات في مارس من العام الماضي، مشيرا إلى أن
رحيل نظام الرئيس بشار الأسد هو الحل الوحيد لخروج سوريا من الأزمة.
وتابع صقر في تصريحات لقناة "العربية" من القاهرة أن هناك فرقا شاسعا في
الإمكانيات بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر, حيث تسيل الدماء في
سوريا يوميا وسط صمت مرعب من المجتمع الدولي.
وأضاف " لو كان هناك موقف حازم من قبل المجتمع الدولي منذ البداية وتبنى
الحظر الجوي والتدخل الدولي وإقامة المناطق العازلة في الشهور الأولى
للانتفاضة الشعبية لما سقط هذا العدد من الشهداء".
وبجانب مواقف المعارضة السورية السابقة, فقد ذكرت صحيفة "الفاينانشيال
تايمز" البريطانية أن زيارة أنان إلى دمشق لا طائل منها, قائلة: "إن إيفاد
أنان إلى سوريا يمثل أحدث جهد دولي هش لإنهاء حالة الاقتتال الدائر في
البلاد لاسيما بعد مرور شهر كامل من تكثيف النظام حملاته الشرسة ضد
المتظاهرين السلميين في محاولة منه لوأد انتفاضة شعبه التي دامت على مدار
عام كامل".
بل وأكدت صحيفة "القدس العربي" اللندنية في تقرير لها أيضا في 10 مارس أن
إصرار أنان على الحوار والحل السياسي يعكس قناعة تتبلور بأن الأوضاع في
سوريا وصلت إلى طريق مسدود، فلا النظام قادر على هزيمة المعارضة الشعبية
ووضع حد للاحتجاجات عبر الحلول الأمنية الدموية، ولا المعارضة قادرة على
إطاحة النظام المدعوم بآلة عسكرية وأمنية جبارة، ولذا فإن الحل السياسي بات
هو الطريق الأفضل في الوقت الراهن على الأقل لحقن الدماء في سوريا.
كما شككت الصحيفة في إمكانية نجاح لقاء وزراء الخارجية العرب مع وزير
الخارجية الروسي سيرجي لافروف في القاهرة في 10 مارس في تغيير موقف موسكو
بشكل كبير.
وتابعت:" الحجة التي سيستخدمها وزراء الخارجية العرب في محاولتهم لتغيير
الموقف الروسي تقول: إنه ليس في مصلحة موسكو التضحية بإحدى وعشرين دولة
عربية مقابل الاصطفاف أو كسب دولة واحدة هي سوريا يعمل نظامها على قمع شعبه
ومصادرة حرياته, وفي المقابل سيجادل لافروف بأن محاولات بعض الدول العربية
مثل السعودية وقطر تسليح المعارضة السورية هي تدخل في الشئون الداخلية
لدولة ذات سيادة ومحاولة قلب نظام حكمه حتى لو كان تحت عنوان حماية الشعب
السوري من أعمال القتل التي يتعرض لها يوميا على يد النظام".
واستطردت الصحيفة" لا نعرف لمن ستكون الغلبة في النهاية، ولكن ما نعرفه أن
إدارة الجامعة العربية للأزمة السورية لم تكن على درجة عالية من الكفاءة
منذ اللحظة الأولى، ولن يكون غريبا إذا ما رفضت موسكو المغريات والضغوط
العربية معا وتمسكت بحليفها السوري لأن ثقتها بالعرب وحلفائهم الأمريكان
محدودة إن لم تكن معدومة، بعد أن خدعها الطرفان وصادرا مصالحها في كل من
ليبيا والعراق عبر إطاحة نظامين حليفين لها دون أن يأتي البديل ديمقراطيا".
واختتمت قائلة:" ما يجب أن يدركه وزراء الخارجية العرب أنهم خسروا روسيا
والصين دون أن يكسبوا أمريكا والغرب كليا، لأن هذه الدول تنطلق من مصالح
وليس من عواطف أو مبادئ، وعندما تختار الأمم المتحدة كوفي أنان كمبعوث إلى
سوريا، ويصر الرجل على الحل السياسي، فإن على العرب وخاصة الداعين لتسليح
المعارضة السورية أن يدركوا أن قواعد اللعبة تغيرت، لأن أنان هو رجل
أمريكا، ويعكس وجهة نظرها".
وبصفة عامة, فإنه في ظل عجز العرب والمجتمع الدولي عن وقف حمامات الدم في
سوريا, فإن الأمل يبقى معقودا على تزايد الانشقاقات في صفوف النظام السوري,
وبالتالي انهياره فجأة من الداخل.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - أنان وتصريحات مستفزة للمعارضة السورية